من الخطأ الكبير أن نتعامل مع الطلاق على أنه نهاية الحياة الزوجية ولكن سيكون من الأصح التعامل معه على أنه بداية لحياة جديدة لكل الأطراف بما فيهم الأبناء، فيكون التعامل مع هذه الحياة الجديدة بالرضا والسعي لإنجاحها فلا يكون الفشل حليفها هي الأخرى، وهذا ما نطلق عليه الطلاق الناجح ، فالطلاق مرحلة يصل إليها شخصان ينقصهما الاستعداد للعيش سويا. وذلك قد يكون نتيجة لأسباب كثيرة تحدث الخلاف وقد يتصاعد الخلاف لدرجات يصعب معها الحوار والاتفاق، ولكن هذا لا يعني أن هذان الشخصان ما داموا فشلوا كزوجين أن يفشلوا كوالدين، فنجد الرجل قد فقد لقب الزوج ولكنه لم يفقد لقب الأب والسيدة قد فقدت لقب الزوجة ولكنها لم تفقد لقب الأم، ولا شك ان الأبناء سيقع عليهم عبء نفسي واجتماعي نتيجة لهذا الطلاق ولكن كلما حاولنا التقليل من هذا العبء كلما اقتربنا لتحقيق مفهوم الطلاق الناجح.
إن دور الأم والأب في هذه المرحلة هو دور مكثف، فبالإضافة إلى تحمل قرار الطلاق وتبعاته والآثار النفسية لكل طرف فإن على الوالدين ضرورة الظهور أمام الأبناء بالتوازن النفسي والبيئي بما يتناسب مع شخصية كل منهم ومراعاة المرحلة الانتقالية لهم وترتيب أمورهم في كل الاتجاهات وتنشيط حياتهم الاجتماعية بما يحقق لهم التكيف الإيجابي.
ومن خلال إدراك الدور المؤثر للوالدين على الأبناء في هذه المرحلة تتجلى أهمية التهيئة المتزنة والآمنة للأبناء ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي وإيجابي. ويتم ذلك من خلال إعداد الأبناء لخوض الحياة الجديدة ليس على أنها أزمة وكارثة علينا البكاء عليها. وإنما على أنها شكل جديد للحياة واختلافات علينا التعايش معها وتقبلها.
فقد يجتمع كل من الوالدين مع الأولاد كل منهما على حده، ويكون حوارا شفافا صادقا لا لبس فيه، يتم من خلاله التأكيد على أنه لا ذنب لهم أبدا فيما حدث؛ لأن الأبناء في هذه المرحلة كثيرا ما يسيطر على تفكيرهم أنه هناك أشياء كان من المفترض أن يقوموا بها كي لا يقع الطلاق، أو لعلهم هم السبب في ذلك، فيتم إفهامهم أن الطلاق شيء أحله الله تعالى عندما تتعقد الحياة ويصعب الاستمرار فيها، وهذا لا يعني أيضا أن الأب أو الأم سيئ أو ظالم، على العكس تماما، (بابا إنسان رائع)، و(ماما إنسانة ممتازة) ولكنهما لم يتمكنا من الاتفاق والتفاهم حول أمور كثيرة.. تلك الجلسة يتم فيها الاستماع الجيد لكل ما يدور في أذهانهم، والرد على كل تساؤلاتهم بوضوح فيتأكد فلذات أكبادنا من خلال الحوار الدافئ أن الحب لهم، ولن يخفت أبدا مهما كانت الظروف، وأن الأمان لن يفارقهم، والحنان لن يسافر بعيدا عنهم، بل هو لصيق بهم، وحق من حقوقهم يقدم لهم قبل أي شيء.
وتأتي مرحلة جديدة بعد تهيئة الأبناء لطلاق والديهم وهي اختبار مشاعر الأبناء من وقت لآخر، ذلك لقياس مدى تأثر نفسيتهم بالحياة الجديدة التي فقدوا فيها بلا شك أحد والديهم سواء الام أو الأب ولو لفترات قصيرة، هنا يجب أن يقاس شعور الطفل وإحساسه بطريق غير مباشر وبدون نقاش، وهناك العديد من الأساليب التي نستطيع مراقبة مشاعر وأفكار الأطفال منها تحليل رسوم الطفل، فالطفل عندما يرسم لا يهتم بالمنظر الجمالي والقيم الجمالية التي نراعيها نحن الكبار، ولكن يعتبر الرسم بالنسبة للطفل هو وسيلته الاولى للتعبير والتنفيس عن مشاعره، هنا على الوالدين إدراك هذه الاهمية لهذه الرسوم وخاصة في هذه المرحلة من حياة الطفل والبحث عن أي رموز جديدة ومناقشة الطفل بطريقة غير مباشرة حول تلك الرسوم أو عرض تلك الرسوم على متخصص إذا ظهرت أية عناصر في الرسم يصعب على الوالدين إدراكها.
كذلك القصص والتي تعتبر من أقوى الأساليب التي نستطيع بها لمس مشاعر الطفل، ولكن كلما اقتربت القصة من الخيال وابتعدت عن الواقع كلما كانت أقرب للطفل وأسهل في اختراق عالمه، هنا يستطيع الوالدين استشعار مشاعر واحاسيس الطفل من خلال ردود فعله تجاه هذه القصة وردود الفعل هنا لا نعني بها فقط التعليقات المباشر للطفل ولكن كذلك تغير ملامح وجهه ، ارتباكه، محاولة تغيير الموضوع أو الاستفاضة في تفاصيله، كلها من الممكن ان تدل على مشاعر الطفل في هذه المرحلة والتي من الممكن أن يجاهد في سبيل إخفائها، والنصيحة الأهم للوالدين في هذه المرحلة هي أهمية اللجوء لمتخصص ليساعدهم في استنباط ومتابعة مشاعر الأبناء فالتدخل المتخصص في هذه الاحوال قد يقي الطفل من مشاكل نفسية جسيمة في حياته المستقبلية.